ضيف وطيف
ليس بوسع القتيل أن يقاضي مرة أخرى قاتله, وليس لميت أن يحاكم يوما في قبره
كما أنه لا يحق لعبد أن يقايض سيده, ولا لأمة أن تطالب من مملوك عتقها, لأنهما ببساطة تحت
سياط من خيوط نسجت بيد القدر , هيهات ... هيهات أن يجبر كسر الزجاج بعد أن علا واستحكم عرف الرياء والمراءاة, وطال واستطال لسان الحرباء , ونبت لها أنياب سال منها سم قاتم , فمن أصابه لا يبق عليه ولا يذر, وها هي غرابيب سود تحوم حول جثة القتيل التي تحللت وتعفنت , ونكر ما تبقى منها . الا أن الغربان وحدها التي تعلم حقيقة اسم ورسم هذه الجثة , لهذا لم تقربها , ولم تؤذها , لأن صاحبها كان على ما يبدو صاحب يد بيضاء عليها
فجأة شكلت هذه الغرابين ما يشبه مهدا حملت عليه الجثة واتجهت بعيدا ....؟
وجاء رجل من أقصى المدينة , لا يعرف له موطن ولا منبت ... جاء فأزاح الستار عن البصائر العمياء , وبيده شمعة أوقدت بشغف الصدق والسناء , يجلس القرفصاء , يرفع يديه إلى
السماء ينادي ... يناجي... يتوسل... يدعو من رفع النبي عيسى عليه السلام إليه ويقول:
رب رب الناس ... الهي اله الناس ...مالكي مالك الناس لا تذرن حائر النهى ..زائغ البصر
ولا كاذبا في قول وفعل , ولا سائلا أحدا غيرك , رب . لا تذرن عبدا لنفسي وهواي ....
أنر سبيلي ورطب لساني بذكرك وشكرك , وحببني فيك وفي رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعامة المسلمين , رب لا تجعلن صفر اليدين الا لك , قرب خطواتي من جنتك , وباعد بيني وبين نارك , وارجعن إ‘ليك رجعة منيب .
رب إن أعضائي تهلهلت بعد ما قضيت سوادي وإني على بياضي أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله , اللهم أحيينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها , وبها يا رب جنتك نبتغيها
قام الرجل ولملم حاجاته واتجه شرقا لم يكلم أحدا ولم يكلمه منا أحد , وراح الناس يضربون
أخماسهم في أسداسهم وهم في دوامة من أمر هذا الرجل , ولم يطل الأمد فقد بان المخض عن الزبد , فأنزلت السماء غيثها دون سحب ولا رعد. استجيبت دعوة ذاك العبد , فلا فلاح ولا صلاح الا بالعودة لكتاب الواحد الأحد .
لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ابراهيم تايحي