الشيطان والعدالة
كنا نحن الثلاثة في ضيافة سيدنا الشيطان , بين أكل وشرب وتفكه على مائدة صنعت
من أحشاء بني الإنسان , ملاعق أكلنا تختلف عن تلكم الملاعق التي اعتاد الناس عليها في بيوتهم ومطاعمهم , في أفراحهم وأتراحهم , في حلهم وترحلهم , إنها ذات أسنان.
أما أكواب شربنا وشرابنا فطعم ما بداخلها مزيج من حنضل دقيق , قليل من يستصيغه ويطيق
له غصة ترديك طريحا بين زفير وشهيق,....
بعد ما ملأنا بطوننا وخمرنا عقولنا طاب لنا الحديث من الكلام , استيقظوا استفيقوا يا نيام؟
قال أوسطنا علينا الاعتراف بفضل سيدنا –يعني به الشيطان-وتقدير عمله الخيري للمساكين والمحتاجين والمرضى والمسنين... , ولكم الدليل فيما أقص في الحين.
أنب أحد ابناء سيدنا بقوله: يا أبانا لم لا تتوقف عن فعل المنكرات , فالناس أسمعهم يلعنونك في كل الأماكن والأوقات .
قال له سيدنا : لا يا بني إنهم يظلمونني فهؤلاء على قلوبهم ختم مختوم .
قال الابن: أنت مظلوم؟ – قال بسخرية وتعجب-
قال سيدنا : نعم وأبرهن لك على ذلك الآن , اتبعن
دخلا السوق , جالا فيه زمنا , وبينما هما على ذاك الحال إذ بأحد يستغيث ويترجى بائع العسل وهو يقول له: امنحن جرعة إني مريض , لكن البائع أبى الا بعد تسديد ثمنها مسبقا , وكان العسل في جرات . فماذا فعل سيدنا ؟ امسك بيد ابنه قائلا له: أنظر لهذا الرجل المترجي المستغيث بائع العسل, وبائع العسل رافضا أن يعطيه قليلا منه.
قال الابن : نعم سمعت وشهدت.قال الأب : اتبعن؟
وقف سيدنا بجانب أحد المشترين للعسل ُثم دفعه فوقع فوق الجرات ...كسرت البعض منها
سال العسل أرضا .. انكب المريض المستغيث يلعق لعقا ...ثار البائع مزمجرا مهددا ذاك ألذي سقط فوق الجرات ...ثم ماذا؟ بعد ما ارتوى بطن المستغيث قام وقال : العنوا الشيطان؟..العنوا الشيطان.؟..هنا همس سيدنا الشيطان في أذن ابنه قائلا : أسمعت؟.. أسمعت ؟.. ساعدته في نيل مآربه من العسل فكان جزائي اللعنة , ما رأيك هل هذا جزائي؟
قال الابن : [ إنهم يأكلون القلة ويسبون الملة], ضحكنا جميعا ثم جاء دور أصغرنا وقال:
: أنا أقص عليكم أمرا آخر يحكى أن ابن سيدنا –الذي هو في مهمة مستعجلة- أنه مر بأحد القرويين , فلما أخذ العياء جهدا منه جلس-أي القروي- في ظل جدار بيت
يريد أن ينقض , فقال له –ابن سيدنا – انهض؟ انهض ؟ إن الجدار يكاد أن يهوي , ثم استأنف الناصح طريقه , وبعد ما ابتعد القروي عن الجدار فعلا هوى , فما كان منه الا السعي وراء ذلك الشخص الذي أنقذ حياته ليشكره على ما صنع له.
وفي السوق كان اللقاء – وما أدراك ما السوق ومن بالسوق.
تقدم منه وكله سيل من عبارات المدح والشكر والامتنان , ابتسم ابن سيدنا ثم قال: الذي صنعته لك ليس حبا فيك بل حسدا من عند نفسي عليك لئلا تموت شهيدا.
[ إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا] الإسراء 53 .
أما أنا فقد جاء دوري – وكنت خلال ذلك أفكر فيما عساي أن أقدم – فتذكرت فقلت: يحكى أن إماما أم الناس في صلاة عيد الأضحى وشرح لهم كيفية تقسيم الأضحية , وعندما عاد لبيته
بعد زمن , ولعابه يسيل على لحيته , وهو في أوج فرحته وغبطته , يفرك ما بين أصابع يديه يتوهج شوقا لأكل أفضل ما في الأضحية , تسمر في مكانه , وكأنه شد إليه بأوتاد فرعون
اسود وجهه انتفخت أوداجه , بحلق , وهدر هدير الوديان طالبا من زوجته أن تحضر باقي الأضحية , وكان يظن أنها مخبأة عنه , فما كن من زوجته الطيبة الا أن قالت له: لم يبق الا هذا الذي أمامك , فما بك هكذا ترتعد وتزبد ؟ ألم تطلب من الناس فعل ذلك حين كنتم في المسجد ؟ وضع يده على جبينه وكأنه يؤنب ضميره ثم قال لها [ هذا عليهم وليس علينا ] .
ضحك الشيطان ملأ شدقيه وهو يتمرغ كخنزير – أكرمكم الله- ثم قال : الآن جاء دوري فاسمعوا وعوا؟: أنا لا أخاف ولا أهاب ولا أعد حسابا لعدل ولا عدالة ولا لقاض ولا لأمير
قلنا له: وكيف ذلك يا سيدنا ؟ قال : إن العدالة في حاجة إلي فلولاي ما وجدت عدالة....؟
ابراهيم تايحي