الحق والبــــــــــاطل
الغواية غواية وإن ألبست بردة الهداية, أما أن تتحول الهداية إلى غواية فهذه عتبة النهاية
الصراع بين الخير والشر كان منذ البداية
إبليس اللعين وقبيله ومن سار في فلكه من إنس. نزغ ووشاية
واتخذ بعضنا بعضا مطية طمع فنزعت عن الحق الراية
وحل بجوارنا الباطل آمرا , ناهيا فانقاد إليه جهلا أو عنادا من ليست له دراية
وبدت مراكب الظلام على اليابسة تشق أديمها ..... وعلى سطح مياه البحر دبابات رجم الشهب تقذف حممها ....
حين يكون الغصن مستقيما وظله أعوجا فلا تتعجب ,إنها ساعة من عمر الفانية , نسأل الله العلي القدير اللطف والعناية....
ومر الباطل- يختال زهوا وجبروتا – بالحق وهو نائم , أو قل إن شئت [مستنوما] وبطنه مفترشا الأرض ...ذابل العينين... شاحب الوجه... بالكاد تسمع أنينه حيث أمعاءه خاوية
قبل أن ينهب لصوص بغداد بغداد .... مسكينا ذا متربة منذ أمد ...مهانا ذليلا بعد عز ومجد ..
هوت قصور غرناطة ثم أخواتها ولم يبق ذكر للأندلس على لسان أحد ...
وراح الباطل يوكز الحق و[ يرفس] برجليه وهو يقول: ما بك يا هذا؟ أسهرت الليالي واعظا؟ أم أنك كما عهدتك للفضيلة لا زلت مناشدا؟
وبالكاد فتح الحق عينيه اللتين تحيط بهما هالة زرقاء , ولسان حاله ينبئ عما يعانيه ويحرث ما بداخله . ورافق الحق الباطل انقيادا واستسلاما , وجهتهما أفخر وأشهر مطاعم المدينة
وأثناء السير لاحظ الباطل الحق وهو يتعثر ويتمايل .. ثقيل الخطا .شاردا.. تائها.. آبقا... حيرانا.. فقال له: اليوم يوم فرح لا يوصف , حيث البطلان أنا وأنت سنكونا من المحظوظين وعلى شرف السادة من العبيد نتناول جميعا طعاما غير عادي وغير مألوف ...
واستمر الباطل يثرثر ويهدر , وتارة يزمجر وينهر ...
وصلا إلى المكان .. اعتدلا في جلستهما . طلب الباطل من النادل ..كذا وكذا...
أنهى الباطل أكله بينما الحق لم يسعفه حظه على أن يمد حتى يديه مسكا للسكين والشوكة
تعجب الباطل منه وسأله : لماذا لم تأكل ؟ ألم تعجبك الوجبة أم أطلب لك غيرها يا صديقي؟
هيا ..هيا ياصديقي فالحياة ثوان ..تمتع ولا ترتدع ؟فليس لنا علم بعد ساعة ؟ هل هناك لقاء وهناء؟.. أم فراق وشقاء؟...
كان حديث الباطل يصب وينزل على رأس الحق شهبا ونيازك , وحمما من فوهة بركان غاضب ثائر ...
بعدها توجه الباطل شطر الصراف [ قابض الصندوق] ومكث غير بعيد عنه زمنا ليس بقليل
لحاجة في نفس يعقوب- ثم دنا منه وقال : أنا لا أنوي المبيت عندكم ؟ هيا أعد لي ما تبقى
ويعني بذلك الدراهم الفائضة عن ثمن الإطعام - تأمل الصراف وجه محدثه وعلامات دهشة واستغراب تكسو محياه وقال : أعد لك ماذا؟ هل أعطيتني شيئا ؟ ...
نظر الباطل إليه بعينين الشرر يتطاير منهما وبلهجة أشد رهبة وقبحا ولؤما قال للصراف: نعم أعطيتك كذا...
زادت دهشة الصراف وقال : يا سيدي إنك لم تعطن شيئا , وإنــــي لصــاحب صــدق ولا أقول الا الحق...
فقال له الباطل : اسمع – نطقها بصيحة الملوك المستبدين الظالمين- لو أن الحق الذي تتكلم عنه نطق .... لتحمل كل ذلك وحده وسدد ما سبق
ابراهيم تايحي