ثمـــــن القصــــاصة
إذا كانت نهاية السنة الدراسية تجمع بين متناقضات عدة منها فرحة النجاح والفشل
فإن بدايتها أدهى وأمر , حيث متطلبات الدخول تئن بها الأسر ميسورة الحال, أ و
تلكم التي لا دخل لها ,وهم – المساكين – يعدون من البطالين عملا , ومن المتفوقين إنجابا
ومن هنا يتحرك القطار , ومن لم يقطع تذكرة الركوب قطع تذكرة طريقا لا يعلم الا الله سبحانه نهايتها . ويحل اليوم الأول من الدخول المدرسي , والبسمة تكسو وجوه البراعم , سيما الجدد
منهم, والفرحة تغمر قلوب الجميع , وبعد العودة إلى البيت التي تمطر سماءها قصاصات
كثيرة الحروف , ثقيلة الوزن على الأب والأم , وإن خف وزنها على الأبناء فهي للأولياء أثقل من جبال الدنيا , ناهيك عما سبق من شراء مستلزمات ( مآزر , أحذية , محافظ.....)
صبرا جميلا يا أبنائي , هدى الله معلميكم , من أين لي بذلك؟ ماكان لدي قد نفذ ؟ أخبروا معلمكم
بأنني لا أملك نقودا لتلبية طلباتكم ؟ -قال الأب-
إن المعلم قد طالبنا بتوفير ها يا أبانا , وعلينا إحضارها – قال الأبناء
ٍاذهب معكم غدا إن شاء الله لعلي أجد حلا أو مساعدة - قال الأب-
ويتنفس الصبح ويستيقظ الأبناء مهرولين نحو المطبخ , وإذ بالإبريق قد شح , ويصيح الأبناء
أين الحليب يا أماه؟ أين الخبز؟ .
لم تجد الأم المسكينة ما تقول أو تقدم الا دموعا وصبرا, يا لها من امرأة عظيمة.
ترى فلذات كبدها تتأوه , وليس بإمكانها فعل شيئ , فحال هذه الأسرة كباقي الكثير من الأسر هم مساكين ذوو متربة . فالوالد قد أنهكت الديون عاتقه وأراقت ماء وجهه ., ويغادر الأب البيت تجاه المدرسة, كما وعد أبناءه وقد سبقوه إليها , يسير مقدم رجلا ومؤخرا أخرى , شارد الذهن حائرا , ماذا يقول للمعلم ؟ ما ذنب المعلم؟, ذنب من إذا ؟ , الا يكون ذنبي أنا؟, نعم ..نعم ذنبي أنا وحدي لأني لم أحسن تنظيم حياتي .. فلو كان لدي اثنان أو ثلاثة ابناء فقط لاستطعت تلبية معظم حاجاتهم ... لكنهم تسعة , وكلهم يدرسون.. يجب أن أجد حلا ؟ , أذهب للبلدية
لعلها تساعدني ؟ , لكن لست الوحيد بل هناك المئات من أمثالي .. أذهب إلى الحاج الصديق –صاحب دكان الحليب- لا... لا بالأمس اقترضت منه ثمن الخبز .. وقد لمح لي عدة مرات بأني تجاوزت الحد ولم أسدد ما علي من ديون سابقة له علي , آه لا بأس أذهب إلى الحاج عبد القادر
- بائع خضر – فهو على علم بحالي جيدا ولعله يقدر الظروف, وتقدم ذو التسعة من الحاج عبد القادر , وقبل أن يبادره الحديث أدبر وعاد من حيث أتى , فصراخ الحاج عبد القادر على أبناء أخيه لجواب كاف . أين أذهب يا رب؟ آه تذكرت الحاج معيوف فهو رجل ميسور الحال , وكثيرا ما أحسن إلي وحن.
وحيا الوالد الحاج معيوف ثم جلس بجانبه , وأثناء شرب الشاي تزحزح الوالد ومال برأسه نحو الحاج معيوف وكله مسكنة .
فطن الحاج معيوف لجليسه ثم ابتسم وقال: هل جئت لتسدد ما عليك ؟ فقد طال الأمد.
حملق , بحلق - الوالد -.. جف ريقه.. ارتعدت فريسته... سقط كأس الشاي من يده ... شهق ...
ودع الحياة.
ابراهيم تايحي