حماري الأعرج
أشرقت شمس المدينة على خجل واستحياء من شدة ما أصاب حاجبها وماحي آيتها
ليلتها, حيث انبعثت الخفافيش المخنثة من بين شقوق الجدران والبيوت المهجورة
تلهث وراء ضعاف الفراش المبثوث , فتراها تهوي حتى تكاد تلمس سطح الأرض
وتارة أخرى كنبل رمي به من قوس أعوج , وهكذا قضت سواد ساعاتها حتى تنفس الصبح , فلم يبق منها طيف , وانطلقت حيوانات النهار تسعى وتلسع , وتربعت الشمس كبد السماء وإذ بمخلوق لا رسم له ينبئ عن تفاصيل خلقه , ولا اسم له يعرف به ولا هو من أهل المدينة حتى , يمتطي صهوة حمار أعرج الأرجل الأربع
يئن أنينا يتشقق الصخر الصلد رأفة به , ومن عينيه أنهار من الدموع تصب .
لا نهيق له بل منه الشهيق والزفير يتطاحنان فيه وعليه , بالكاد يبدل موقع أرجله
وراكبه يفتل شاربه الغريب العجيب حتى وإن وصف فإنه لا يقل وصفا عن ذنب ذاك الحمار .
توقف في مفترق الطرق المؤدية إلى القرى والمداشر والبوادي خطيبا في جمع هائل ممن تواجدوا وقتها قائلا: الا تعرفون من أنا ؟ أنا حظكم.. أنا قدركم .....
بيدي هاته – وأشار إلى يده اليمنى المبتورة – الأخضر واليابس , وبتلك – مشيرا
إلى يده الشمال ا لمعكوفة – السلاسل والأغلال . أمهلكم ثلاثا وبعدها لا تلوموا الا
أنفسكم . ثم جذب بلجام حماره متجها نحو بيت مهجور في ضاحية المدينة لا يقربه إنس ولا حتى جن نبي الله سليمان عليه السلام.
وما كاد يغيب عن الأنظار وإذ بصوت يشق الصفوف الهلوعة الجزوعة الطامعة
المانعة يقول: لا تنطلي عليكم يا ناس هذه حيل وترهات إبليس اللعين , جاء ليضعف
عزمكم ويهين سيدكم ويشكك في دينكم , عودوا يرحمكم الله إلى أعمالكم وتوكلوا على خالقكم ورازقكم فالله كفيل بكم .
ابراهيم تايحي